#البامرك_والديرجان_وضحك_الرحمن
جاء الفرسان الأربعون لحاكم المدينة يطلبون التسليم فنظر حاكم المدينة وأميرها إلي قلتهم واستهان بقدرتهم وظن عجزا بمن أرسلوهم فسولت له عزة النفس الرفض ،وخرج بجيش حاميته وعلى رأسه ولده الذي تتسامع الدلتا كلها بفروسيته ،فيبرز له عربي من الأربعين يدعى ضرار بن الأزور فيتبارزان وتتجالد السيوف وسرعان ما يُجَنْدَلُ هريرا بن البامرك صريعا وينخلع قلب الحاكم لموت فلذة كبده ودره عقد بنيه وأكبرهم ،وفي تلك اللحظة تهوي روح جند المدينة المعنوية ويشن الأربعون الفرسان هجوما يلجئون جنود المدينة للاحتماء بالجدران ، ويصدر أمر البامرك الأمير بالانسحاب خلف الأسوار والاحتماء بها حتى يقر على قرار .
يدفن الحاكم ولده ويعقد مجلسا للحرب ، يشاور ويحاور ،أيرسل لقرى ومقاطعات إقليمه لجمع الأعوان والأتباع ،أم أن الأمر أيسر ،لا زالت دماء الرجل تفور وتعطشه للانتقام لا يرويه شيء ،استشار فيمن استشار حكيم بلاطه الديرجان ،إنه رجل حكيم عاقل ،فقال له :
ما ترى في الأمر يا ديرجان ؟!
الديرجان : إئذن لي يا مولاي البامرك المعظم ، الرب يعزيكم في فلذة الكبد ودرة العرش فارسان هريرا .
_ يا مولاي إن "هؤلاء القوم لا تذل لهم راية ولا تلحق لهم غاية قد فتحوا البلاد وأذلوا العباد واشتهر أمرهم وعلا ذكرهم وفشا خبرهم وعلت كلمتهم وطافت الأرض دعوتهم فما أحد يقدر عليهم ولا يصل إليهم وما نحن باشد من جيوش " الإمبراطور "ولا امنع بلدا وهؤلاء القوم قد أُيِدُوا بالنصر وغلبوا بالقهر وإن الرحمة في قلوبهم فعاهدهم فما عاهدوا عهدا وخانوا وما حلفوا يمينا فكذبوا وقد بلغك ما هم عليه من الدين والصيانة والصدق والأمانة والرأي عندي أن تصالحهم لتنال بذلك الأمن وحقن الدماء وصون الحريم ودفع الأمر العظيم ونكون قد صالحناهم ودفعناهم بشي من مالنا"
وقبل أن يتم الحكيم كلامه أعمل البامرك سيفه فيه وقال
_ أنستسلم و نخضع وقد قتلوا ولدي !! آه يا هريرا. يا ولدى آه آه فديتَ أمثال هذا الجبان ! .!
_ينطق الديرجان بكلمات يعلن بها إيمانه بما يدعوا إليه الأربعون . ولأجل نشره هم قادمون .
_يعلو صوت البامرك ويصيح في المجلس إنه خائن نال عقابه فلا هو ناصح ولا أمين .
تُحمل جثه الحكيم لتدفن ، ويُخْبر أهله بما جرى ، يتحامل ولد الحكيم ليعلن أمام مندوب الأمير الذي جاء لبيت الديرجان الحكيم ليعلمهم بما كان ، يتحامل الفتي على نفسه ليظهر تمام الرضا بما صنع الحاكم الأمير ، وإن قلبه الصغير حجما يحمل هما عظيما و كذا عقله الكبير يدبر لأمر خطير . ينصرف مندوب الأمير ليخبر سيده الحاكم الهامرك بما كان فيرسل الهامرك بعطايا وهبات للولد لتسكين الآلام ولتزول الضغائن .
يقبل الولد عطايا الأمير التي يشتم منها دم أبيه وفي نفسه أمر عظيم يخفيه .
يسود الظلام وتهدأ البلدة ويخلد الجميع للنوم إلا ضوء ينبعث من بيت على أطراف المدينة مغلقة الأبواب ، يلاصق سورها ومن هذا البيت ينبعث بين الفينة والفينة صوت ثقب للجدار الذي يتاخم سور المدينة وينقب الفتى نقبا في السور داخل داره لينفذ منه لخارج المدينة ،منطلقا للأربعين ، فلما يصل إليهم يعرفهم بنفسه ويخبرهم بما كان ويدعوهم لدخول داره واعدا إياهم بالمعونة ومعلنا لهم إيمانه بما يدعون إليه .
ينطق قاتل هريرا
_ :
"يا ويلك وإن الذي بعثك بهذه الحيلة أراد قتلك أما علمت أن الحذر شعارنا واليقظة دثارنا " وهم بقتله فعلا صوت يقول
:"أمهل يا ضرار وفقك الله إلى الخير وةوقاك الألم والضير"
فإذا صوت أمير الأربعين المقداد ابن الأسود الذي استطرد قائلا
_ "إني رأيت رسول الله {صلى الله عليه وسلم} في المنام وهو يشير إلى شخص بين يديه وكأنما يقول على زي هذا الغلام وكأنما أتأمل إلى هذا الغلام فرأيته على ما هو عليه الآن وكان على وسطه منطقة من الأديم وفيها حلق فضة وهي تحت أثوابه".
ينادي المقداد قائلا ": يا غلام اكشف عن أثوابك "
_ فكشف عن أثوابه
وإذا المنطقة بعينها فيقول المقداد والغلام في نفس واحد :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله {صلى الله عليه وسلم }
فقام إلي الغلام الأربعون المسلمون "فصافحوه ومضى الغلام أمامهم إلى أن دخل بهم النقب ووسعوه بأيديهم حتى دخلت خيولهم ثم ردوا الحجارة والطين والبناء على حاله وأعمى الله أبصار القوم عنهم
فلما كان الغد بحث الحاكم الأمير البامرك ورجاله عن عدوهم ، "فلم يروا للصحابة أثرا ولا خبرا فضجوا وماجوا وقالوا: هربت العرب وتناقل العسكر الخبر ،و خرجوا من البلد ليقفوا على صحة الخبر ولم يبق في البلد سوى النساء والاطفال .
وفي وسط الصخب والفرح والصياح كان الغلام يطوف على بني عمومته الثمانين يدعوهم للانتقام لأبيه ويخبرهم بما كان وبما قصه أمير الأربعين من رؤياه الرسول الأمين وبما تحقق من صدقه بنفسه ، فتبعوه وانطلقوا لأبواب البلدة فأغلقوها وجل الرجال وجميع الجيش بالخارج ، وفجأة يخرج الفرسان الأربعون وعلى أبواب المدينة وأسوارها الرجال الثمانون وفي وقت واحد يكبرون و ربهم يدعون وعلى نبيهم يصلون فترجف المدينة ويعلم أهلها أن الفرسان قد ملكوها
يقدم الأمير الحاكم الديرجان على فرسه وعن يمينه ولده فلذة كبده الذي انقطع للعلم وأوشك أن ينقطع في صومعته للعبادة والتبتل ولكنه منعه من شدة حبه له
فوقف الملك ينظر إلى ما فعله الصحابة فأيقن بزوال سلطانه وابنه ينظر من جواره إلى الصحابة و زيهم والى نور الإيمان وهو ساطع منهم." فشخص شطا نحو السماء ببصره وصاح وسقط عن قربوس فرسه بوجهه ، فارتاع أبوه وجميع عسكره من تلك الصيحة فلما أفاق قال له أبوه
: يا بني ما وراءك؟
قال: أظهر الله لي الحق فبان وقد تبينت لي حقيقة الإيمان وقد نظرت إلى عسكر هؤلاء العرب وعليهم نور عظيم
وقد رأيت كأن معهم رجال عليهم ثياب خضر وهم على خيول شهب وبينهم قبتان معلقتان في الجو بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها وفيها رجال ما رأيت أحسن من وجوههم ولا شك أنهم الشهداء ورأيت في إحدى القبتين حورا لو برزن لاهل الدنيا لماتوا شوقا اليهن وإن الله تعالى ما كشف عن بصري وأراني ذلك إلا وقد اراد لي الخير وما كنت بالذي بعد هذه الرؤيا أبقى على الضلال ولا أتبع المحال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله
وحرك جواده وقال من أحبني من رجالي وغلماني فليتبعني قال فتبعه القوم الف رجل ولحقوا به .
وقف الديرجان يحدث نفسه بما فعله ولده شطا ثم
قال: والله ما فعل ولدي شطا ذلك إلا وقد رأى الحق ولست أشك في عقله ودينه فأسلم الديرجان ولحق بولده
فوقف رجال الديرجان و قالوا: إذا كان الملك وولده قد أسلما فما وقوفنا نحن فاسملوا جميعا على يد أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم }ودخلوا المدينة.
وأمر المقداد بن الأسود قائد الأربعين صحابيا الفاتحين بثقب نقب السور الذي دخل منه الصحابة وأمر ببنائه بابا فسماه باب اليتيم وهو ابن الحكيم وترك المقداد رجلا من الصحابة يعلمهم شرائع الإسلام وهو يزيد بن عامر رضي الله عنه ورجع المقداد وأصحابه إلى الإسكندرية .
وللقصة بقية .
في الحلقة القادمة استشهاد الأمير الراهب شطا
ً..........................
مصدر القصة
كتاب فتوح مصر والشام والإسكندرية لابي عبد الله محمد الواقدي المتوفى ٢٠٧هجرية . وأقدم نص طبع لهذا الكتاب هو طبعة ليدن بهولندا بعناية هنريك آرند همقر ١٨٢٥م
وهذه صور من مخطوطة محفوظة بمكتبة هولندا. يعود تاريخ نسخها إلى ٨٤٠هجرية .





تعليقات
إرسال تعليق