يغيب عن الكثيرين منا قامة وقيمة مصر بدءا من دخول جوهرالصقلي وحتى غزو ياوزسليم العثماني لها باسم الإسلام .
قد يعذر البعض في حقبة الفاطميين أو العبيديين كما أسموهم ولكن لا يعذرون في حقبة بني أيوب والمماليك
طوال تلك الحقبة الممتدة نحو ستة قرون كانت مصر مركز العالم الإسلامي ودرة بلدانه تزاحم بغداد بالمناكب حتى دمر هولاكو بغداد عام 656هـ فبقيت مصر ثلاثة قرون ونصف أعظم بلاد العالم الإسلامي والقاهرة مفخرة البلدان .
لقد كان حكام مصر من المماليك ورثة لقب خادم الحرمين عن بني أيوب
وبلدهم مصر وعاصمتها القاهرة تضم خلفاء بني العباس فالقاهرة هي بلد الخليفة العباسي وهي أيضا مقر حاكم المسلمين وخادم الحرمين المملوكي
لقد طمع الحاكم العثماني سليم أن يحقق لنفسه مكانة تفوق أجداده من بني عثمان خاصة أن جده هو محمد الفاتح الذي غزا القسطنطينية وحكمها واتخذها عاصمة للدولة ،إلا أن بني عثمان تابعين للماليك خدام الحرمين .
لقد أجاد بني عثمان تسخير الدعاية الدينية لدعم طموحاتهم السياسية ، فزعموا أنهم يبشرون في المنام بما يجب أن يفعلوا وملأوا الدنيا بتلك الدعاية ،
( واتخذ هنا السلطان يوزرسليم الشهير بالسلطان سليم نموذجا للدراسة )
ولعل مسلسلاتهم
#قيامة_أرطغرل و #قيامة_عثمان وما قد يتلوهما تجسد ذلك دراميا ، ظننت في مشاهدتي أن ذلك نوع من الحبكة الدرامية للقصص ثم ما لبثت أن اكتشفت أن كتب تأريخهم طافحة بذلك منها :
#حلمي_أيدين،يقول في كتابة : (#آثار الرسول في جناح الأمانات المقدسة في متحف طوب قابي باسطنبول ، ترجمة محمد صواش دار النيل 2006م مدينة نصر القاهرة ص 4)
ناقلا عن المؤرخ العثماني سعد الدين أفندي عن أبيه حسن جان أن السلطان سليم لم يكن على قدر أسلافه في الرؤى فرأى له كبير البوابين حسن آغا رؤيا ( قدوم الخلفاء الراشدين الأربعة يتقدمهم على عليه السلام يقول له ؛إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسلهم ليبلغوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لسليم العثماني "ليحضر فورا فقد كلفناه بخدمة الحرمين الشريفين " ص4
طبعا يحمر وجه سليم ويمجد أجداده الذين يصفهم بالأولياء وأنه ليس على قدرهم وأن بني عثمان لا يفعلون إلا ما يؤمرون !!!!!!!
هو أقل ما يمكن أن نفهمه من تلك الرواية التاريخية
#استغلال_الإسلام_وتوظيفه_لخدمة_أغراض_الحكام هو أمر قديم قدم فتنة عثمان رضي الله عنه
وهنا إحقاقا للحق فللفاتح مكانة ومنزلة لا تنكر ولكن حفيده سليم الأول ينتمي لطريقة صوفية تسمى الطريقة
#البكتاشيةالمنسوبة لمؤسسها #حاجي_بكتاشي_ولي المولود عام 645هـ بنسابور والمتوفى 738هـ في الأناضول ومعظم أفكار هذه الطريقة باطنية ( انظر
أوليا جلبي ، الرحلة إلى مصر والسودان وبلاد الحبش ،ترجمة الصفصافي أحمد القطوري ، المركز القومي للترجمة ، القاهرة ، الجزء الأول ص349)
من نقشبندية ومولوية ،ولكن وصل الأمر لتصوف باطني يحوى تأويلات ورموز وتنجيم وما يسمى بعلم الجفر ، نعم انتشر ذلك وآمن به كثيرون وسمي بحساب الحروف والجمل وملأ الشعر والنثر ولكن لا يصل الأمر لسلطان المسلمين أو من يفترض أن يكون ، لقد رأينا في أيامنا هذه
كان سليم العثماني شريكا للتصوف يحسن استخدامه لتحقيق مآربه ، يحكي أوليا جلبي كيف أن سليم حينما دخل دمشق بحث عن قبر محي الدين بن عربي فلما لم يهتدِ إليه تألم فقد بشره ابن كمال باشا أنه وجد لابن عربي هذه العبارة
"إذا جاء السين ودخل الشين ظهر مرقد الميم "
وفسرها له
:حينما يدخل سليم الشام يظهر قبر محي الدين ابن عربي ، فنام سليم مغتما ، #فجاءه_ابن_عربي في منامه وقال " كنت منتظر قدومك إلى الشام فمرحبا بك يا سليم أبشر قد يسر الله لك غزو مصر وفتحها " هذا نص كلام وليا جلبي ، الرحلة إلى مصر والسودان وبلاد الحبش ص 333
وبقية تلك المنامة طلب ابن عربي من سليم ركوب فرس سوداء في الصباح وأن الفرس تكشف لسليم موقع القبر فلما استيقظ سليم طلب الفرس فلم يجدوا له سوى بغلة نحيفة جرباء هزيلة فاعتنوا بها وهيأوها وركبها سليم لتصل لمزبلة بصالحية دمشق فتنبش الأرض لتكشف حجرا زعموا أن عليه بالخط الكوفي الجلي هذا قبر محي الدين فأمر سليم بتنظيف المكان وبناء تربة ومقام ومدرسة وكتاب وحماما ودارا للحكم وأجرى عيونا وجداول تنفيذا لطلب ابن عربي الذي طلب منه أن يتم ذلك قبل الرحيل لمصر ؟!!
والحق أن سليم العثماني انتصر على قنصوة الغوري في مرج دابق عام 1516م الموافق عام 922هـ وكانت خيانة خاير بك (أحد ولاة قنصوة ) سببا رئيسا في هذه الهزيمة ، وفي تلك المعركة مرج دابق حاز سليم العثماني رمزا معنويا لا يقدر بثمن إنه راية قنصوة الغوري التي خيطت عليها راية تنسب لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هذه الراية ستكونا شعارا عثمانيا يخرج في مقدمة الجيوش يجلب النصر في بلاد البلغار والنمسا وشرق أوروبا وتخرج لتسحق التمرد على السلطان داخل اسطنبول ( انظر #آثار الرسول في جناح الأمانات المقدسة في متحف طوب قابي باسطنبول ، ترجمة محمد صواش دار النيل 2006م مدينة نصر القاهرة ص 80 وما قبلها بعنوان السنجق الشريف أو العلم النبوي)
حاز سليم ذلك العلم كما يذكر أوليا جبلي ، في معركة مرج دابق : فاستبشر به وتبرك به وحمله معه ليلا ونهارا حتى أنه جعل حمل ذلك العلم النبوي قانونا عثمانيا في الجيش " أوليا جلبي ، السابق ص 357
هنا وجهة نظر دونها العثمانيون وهي نابعة من منظور سليم الأول الصوفي دونوها فيما بعد الأحداث حيث زعموا أن حساب الجمل والحروف يعود لعامي 922هـ أو 923هـ انظر أوليا جلبي ، السابق ص 335، 344
كما ربطوا مدة حياة سليم الأول بذلك أيضا انظر أوليا جلبي ، السابق345
ولكني أجنح لسبب منطقي غير ما قالوا وهو أن سليم الأول يدرك كم سيواجه في مصر فهي عرين الأسد ولذلك بقي في الشام طيلة الشتاء عام 1517م حتى جاء شهر مايو ودنا الصيف فاتجه لغزة ثم إلى بلبيس التي واجه فيها معركة شرسة يقول عنها أوليا جلبي : "إذا بطومان باي يظهر فجأة في الميدان وينقض على الجموع العثمانية كالذئب الجائع الذي يصول على قطيع الغنم فدارت لذلك رحى معارك دامية وقتال مرير في غاية الشدة " أوليا جلبي السابق ص 337
يبقى سليم في بلبيس ثلاثة أيام " يصلح من شأنه ويستريح " السابق ص 339
وتدور معركة أخري بالخانكة يقودها طومان باي يطلب فيها طومان باي المبارزة مع سليم العثماني وجيشه فيشتبكان بناء على طلب طومان باي في " حرب ضروس لا هوادة فيها " السابق ص 340
ويزعم أوليا جلبي أنه " قد جرت عشرة آلآف اشتباك بينهما في الطريق من بلبيس حتى أبواب مصر فكان آخرها في صحراء "سبيل علام " الواقع في وادي الريدانية حيث دارت فيها رحى معركة حامية لم يسبق لها مثيل حتى في عهد سيدنا علي رضي الله عنه " أوليا السابق والصفحة
لقد تحولت أرض مصر لكرة لهب اشتباكات في كل مكان ولعل لفظ عشرة آلاف هو من الفاظ الكثرة في التركية كالعدد سبعين عند العرب ، ويشهد لذلك المقاومة التي ستستمر سبعة أشهر بعد سيطرة العثمانيين على قلعة صلاح الدين .
للحديث بقية
هل كان المماليك وطنيين أم مأ جورين ؟!














مصر تقاوم مدعي الأسلمة 2
الثابت تاريخيا أن طومان باي قاتل سليم قتالا شديدا طيلة عام 922هجرية وحتى بداية ربيع أول 923هجرية ، يقول ابن العماد الحنبلي :"ثم تولى في تلك المدة بمصر الملك الأشرف طومان باي الجركسي ابن أخي الغوري، ووقع بينه وبين السلطان سليم حروب يطول ذكرها، ثم سلّم نفسه طائعا فقتل بباب زويلة، وأمر السلطان سليم بدفنه بجانب مدفن الغوري المشهور، وبه انقرضت دولة الجراكسة" (1)
أم هي خدعة وغدر ابن عثمان ؟
يقول ابن طولون :"وفي يوم الخميس تاسعه(2) ، وهو آخر نيسان، نودي بدمشق بالأمان والاطمان، وأن الملك المظفر سليم خان قد ملك، وأنه أفنى الجراكسة، وأنكم تزينون دمشق سبعة أيام فزينوا، ثم تحرر أن الملك المظفر المذكور أرسل إلى سلطان مصر ومان باي بالأمان، مع قضاة مصر الأربعة مشائخنا، وأمير من عنده، فحال وصولهم إليه قتل القاضي الحنفي ابن الشحنة وأخاه، وفر الباقون.
فبلغ الملك المظفر المذكور، فرحل إليه والتقيا بالقرب من دمنهور، في اليوم الثاني من ربيع الأول من هذه السنة، فكانت الكسرة على سلطان
ــــــــــ
(1) ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (10/ 161)
(2) يقصد ربيع أول سنة 923هجرية ، يوافق 30أبريل 1517م
مصر، وفر هارباً، فمسكه أمير العرب الجبولي وأتى به إلى الملك
فبلغ الملك المظفر المذكور، فرحل إليه والتقيا بالقرب من دمنهور، في اليوم الثاني من ربيع الأول من هذه السنة، فكانت الكسرة على سلطان مصر، وفر هارباً، فمسكه أمير العرب الجبولي وأتى به إلى الملك المظفر المذكور، فرجع به إلى القاهرة، وشنقه على باب زويلة، وقت الظهر بوم الاثنين حادي عشر ربيع هذا، ويقال إنه انقطع به الحبل عندما شنق، وعيطت الخلق، فجدد حبل غيره وأعيد. (3)
لقد انهزم طومان باي في البحيرة وفر وبخيانة من أمير عربان الصحراء الجبولي وقع طومان في يد العثماني .
ويؤكد محمد فريد بك مسألة الخيانة فيقول :
"لم يلبث أن وَقع فِي أيدي العثمانيين بخيانة بعض من مَعَه وشنق بامر السُّلْطَان سليم فِي 13 ابريل سنة 1517م 21 ربيع الاول سنة 923 بِبَاب زويله وَدفن بالقبر الَّذِي كَانَ اعده السُّلْطَان الغوري لنَفسِهِ " (4)
يقدم لنا أوليا جبلي وصفا ماتعا فيقول :
" وفي النهاية ،عهد السلطان سليم إلى خاير بك القيام بعمل سريع يقضي به على طومان بايقضاء مبرما فطلب خاير بك إلى ابن خبير بالقيام بهذه المهمة باذلا له الوعود الكثيرة باإنعام والإحسان والهدايا فحدث ذات يوم أن علم ابن خبير باعتصام طومان باي بمكان صعب المنال كالقلعة بإقليم الفيوم فأطلع السلطان سليم على جلية الأمر وبادر السلطان إلى إمداده بمصطفى باشا أمير أمراء الرومللي ومعه جنوده المدربون "(5)
ــــــــــ
(3) ابن طولون في مفاكهة الخلان في حوادث الزمان (ص: 362)
(4) محمد فريد بك ، تاريخ الدولة العلية العثمانية (ص: 193)
(5) أوليا جبلي ، السابق ، ص 347
وكعادة أوليا جلبي زعم أن طومان باي رأى النبي  وسلم وأمره رسول الله  بالذهاب إلى سليم ، ويخبره أن سليم قاتلة ثم سيموت بعده ؟؟!!! فلما استيقظ توضأ وصلى وركب الجواد ليقابل من أتوا لأسره فيسلم نفسه !!!! وفي المقابل يرى سليم النبي  أيضا الذي يأمره بقتل طومان ثم يمشي في جنازته محتفلا ويأمره  بترك مصر على حالها لتبقى في وقف خدمته !!!!؟؟؟ فلما استيقظ سليم بدأ يصلي!!!!!!
أمثال تلك #المنامات والرؤى أنقلها ليس إيمانا بصدقها ولكن استنفاذا لمقصودها والهدف منها .
فسليم بحاجة لتبرير قتله لطومان باي وزهوه بقتله خاصة إذا كان بذل له وعودا بالأمان وهو غير مستبعد ومنقول نحوه
والأمر الرائع حقا هو ما ينقله أوليا من #مناظرة_طومان_لسليم ، والتي يظهر فيها #طومان_صاحب_الحق #وسليم_
مغتصب {والفضل ما شهدت به الأعداء } فأوليا جلبي رغم عثمانيته إلا أنه في النص التالي أصابه سحر طومان باي وانبهر به حيث يقول :
" لما انتهى سليم شاه من الصلاة خرج لطومان باي قائلا :"
ـ مرحبا بالأخ طومان باي !
فرد عليه طومان باي بقوله : حسن أنك قد رضيت لي بالأخوة وقد كنا الجراكسة كفرة ملعونين تبحث أخذ أموالنا وممالكنا من أيدينا ، ولآن قد أصبحنا إخوة ؟ أليس كذلك!
فإن كان أخوك كافرا فماذا تكون أنت ؟ يامحير المتحدثين؟
ـ فأجاب سليم شاه : في سبيل الملك والسلطان هكذا يكون الأمر والشأن "
ـ ورد عليه طومان باي قائلا : " وهل كان الملك الذي طلبته ونشدته موروثا لك عن والدك حتى تطمع فيه طمعا خسيسا فتريق في سبيله دماء الألاف من عباد الله الطاهرين من جنود الفريقين ؟ من يستطيع الإجابة يوم القيامة عن المسوغ لهلاك هؤلاء الناس ؟
ـ أجاب سليم شاه : إنك قد أنجدت بهم جنود العجم وبذلك استحقوا القتل والهلاك حتما ووجوبا "
ـ فرد عليه طومان باي :" حاشا وكلا ، لم يذهب منا أحد نجدة ومددا إلى العجم ، بل إن علاء الدولة لكي يزج باسم مصر في هذا الخصام ألبس فرقة من أشقياء التركمان أردية حمراء بعث بهم إليهم موهما أنها نجدة مصر للعجم ، فلذا قطعت يا سليم رأس علاء الدولة وبعثت بها إلى السلطان الغوري تشفيا منه . فماذا كنت تطلب بعد ذلك ؟
ـ قال سليم : "ألم تقتلوا رسلنا ؟
ـ قال طومان باي "إن عشرة من رسلك هؤلاء قد أطالوا ألسنتهم في حضرة السلطان الغوري فلذا أمر بقتلهم وأما الاثنان اللذان سكتا ولم ينبسا ببنت شفة فقد أعتقا ولم يمسهما أذي
ـ ثم قال سليم خان : ولماذا حاربتني طوال هذه المدة ؟
ـ فأجاب طومان باي :" أنت هاجمتني في عقر داري وعرضت أهلي وعيالي للهلاك ، وبلادي ومأواي للدمار والخراب ، وحاولت أخذها مني . وسأطلب يوم القيامة يوم البعث والنشور بتقديم حساب عما فعلت "
ويستطرد جلبي قائلا :" ولقد رأى سليم أن كل ما قاله طومان باي صحيح وحق فسأله إخيرا
ـ لماذا يقول الناس :" الله ينصر السلطان طومان باي "؟
ـ قال طومان باي :" إني كنت أنصف الناس وأرحم الفقراء والمساكين وأظلهم بجناح الرحمة والعدل، فلذا لم يتخلوا عني قط ولا يزالون يواصلون الحرب والقتال في سبيلي في الجهات السفلى من المدينة معتصمين بالأزقة والبيوت وأنت يا سليم تمسك بأهداب العدل والإنصاف حتى يحبوك فيتبعوك ويتخلوا عن مواصلة الحرب والقتال " (6)
ــــــــــ
(6) أوليا جلبي السابق ،والصفحة
هذا حوار ماتع دونه أوليا جلبي بالعثمانية (التركية المكتوبة بحروف عربية ) بعد قرن ونصف تقريبا من وفاة طرفيه
لقد كفل ذلك الزمن نوعا من الأمن وعدم المطاردة بسبب الخصومة السياسية ، فوصلنا بقلم تركي في خلسة من الرقيب الذي يقصف الأعناق لا الأقلام .
بل مجد أوليا جلبي طومان حيث قال :"
وبعد ذلك أشار السلطان إلى خاير بك فبادر هذا إلى أخذ طومان باي إلى باب زويلة (زويل) وصلبه هناك،وبقيت جثته معلقة سبع ساعات ،
أنزلت بعدها واحتفل بدفنها بمشهد عظيم سار فيه السلطان سليم حتى العادلية خارج باب النصر ، ماشيا على قدميه وقد حمل النعش مرة بنفسه على كتفه ، لأن السلطان طومان باي كان حافظا للقرآن وعلى جانب عظيم من العلم والدين والعدل والإنصاف وقد دفن في العادلية التي هي من آثاره الخيرية ، ومنقوش على قاعدة تابوته المرمي في ضريحه تاريخ تسعمائة وثلاثة وعشرون ، وعليه قبة عالية وبجانب المدفن جامع لطيف ، وحوله بيوت وغرف لسكنى الغادين والرائحين " (7)
ويذكر أن ضريح طومان يؤمه وزراء مصر وولاتها عند قدومهم إليها لأول مرة وأن هذه القبة يؤمها المعزولين من الوزراء والقضاة يقرأون الفاتحة على روح صاحبها ومستمدين منها القوة والبركة
وللحديث بقية
ــــــــــ
(7) أوليا جلبي السابق ، ص 348
باب زويلة
قبة الغوري


مصر تقاوم مدعي الأسلمة 3
طومان باي سأرجئ الحديث عنه لنرى وجه سليم الأول الحقيقي
*جرائم سليم الأول العثماني في حق المصريين ومصر
يحكي شاهد عيان ما فعل ابن عثمان في مصر والمصريين فيقول ابن إياس الحنفي :" وقد خرج هذا الشهر عن الناس وهم في امر مريب مما جرى عليهم من ابن عثمان ، ومن حين فتح عمرو مصر لم يقع لأهلها شدة أعظم من هذه الشدة قط " (1)
فابن عثمان سليم أمر بسكة جديدة للعملة يخسر فيها المصريون ثلث ما يملكون (2)
كما أن ابن عثمان وعد الأمراء المماليك بالأمان وغدر بهم (3)
و لم تنج النساء من عسف وجور سليم وعسكره فهذه زوج طومان باي تنهب بعد قتل زوجها طومان وتنهب بما قدرة ابن إياس بخمسين ألف دينار وفرض عليها ووالدتها عشرين ألف دينار وقيل " أكثر من ذلك القدر فحصل لها ولوالدتها الضرر الشامل وقاسوا شدائد عظيمة ومحنا وبهدلة وتهديدا بالقتل وما جرى عليهما خير " (4)
كان سليم كلما ذهب لموضع طرد أمراؤه السكان"وسكنوا دورهم"(5)
ولم يرحم سليم الأوقاف ومبانيها من السلب والنهب فيفك رخام وأعمده قصور قلعة صلاح الدين ويضعها في صناديق خشبية لينقلها إلى اسطنبول وكذلك من بيوت الأمراء والأوقاف
ولم ترحم نفائس الكتب التي أ خذها وزراء ابن عثمان من المدرسة " المحمودية والمؤيدية
ــــــــــ
(1) محمد ابن أحمد ابن إياس الحنفي ، بدائع الزهور في وقائع الدهور ، تحقيق محمد مصطفى ، دار البازمكة المكرمة ، الجزء 5 ص 183
(2) السابق ، ص 180
(3) السابق ، ص 169
(4) السابق ، ص 182
(5) السابق ، ص 181
الذي أخذوهم قهرا إلى اسطنبول
لقد بهرت مصر وجمالها سليم لدرجة أنه كان يفكر في البقاء واتخاذها عاصمة ولم يلق ذلك موافقه كبار رجال دولته "(7)
لقد أقام بقصر الخليفة العباسي بأم المقياس وكذلك أقام بالروضة ومصر العتيقة "(😎
كما زار الأهرام وغيرها .
يحكي ابن إياس أن سليم سلب الأعمدة والرخام كي يبني لنفسه مدرسة في اسطنبول مثل مدرسة الغوري ثم قال ابن إياس " فلا تقبل الله منه ذلك " (9)
ويحكي ابن إياس كيف أن الظلم يجلب الضياع ،فيحكي أن الغوري " ظلم أولا ناظر الخاص يوسف وأخذ رخام قاعتهم التي تسمى نصف الدنيا وجعل ذلك في قاعة البيسرية (في قلعة صلاح الدين ) فسلط الله عليه بعد موته من أخذه من البيسرية (يقصد سليم العثماني ) ولم ينتفع به أحد من بعده والمجازاة من جنس العمل " (10)
وأعظم ما نهبه سليم من مصر هو ما ادخره الغوري في الإسكندرية في قلعتها ، فسليم العثماني هاجم مصر برا من الشرق وكان وزيره قرابيري باشا في ذات الوقت يسير بأسطول من سبعمائة قطعة ليحاصر الإسكندرية وقلعتها ، فلما وصل سليم للإسكندرية " وفتح أبواب الخزائن وأخذ منها في الدفعة الأولى مبلغ سبعة وخمسين ألف كيس مصري من النقود واثني عشر ألفا من الذهب الممسك ... والعلم الأحمر المنقوش عليه عبارة { نصر من الله } " (11) و الآثار النبوية وهذه سنفرد لها بحثا مستقلا .
ــــــــــ
(6) السابق ، ص179
(7) انظر ، لأوليا جلبي ، السابق ، ص360
(😎 ابن إياس ، السابق ، ص 180
(9) السابق ، ص179
(10)السابق ص183
(11) أوليا جبلي ، السابق ، ص 359
صحيح أن الدولة العثمانية ورثت الحضارة البيزنطية بسقوط القسطنطينية بيد جد سليم( محمد الفاتح) ولكن روح الحضارة تحتاج لأجيال حتى تبعث فيهم من جديد .
يقول ابن إياس عن سليم :
" احتجب عن الناس ولم يظهر لأحد ، ولا جلس على التكية بالحوش السلطاني جلوسا عاما وحكم بين الناس وينصف الظالم من المظلوم ، بل كان يحدث منه ومن وزرائه كل يوم مظلمة جديدة ، من قتل وأخذ أموال الناس بغير حق ، وكان هذا على غير القياس ، فإنه كان يشاع العدل الزائد عن أولاد ابن عثمان وهم في بلادهم قبل أن يدخل سليم شاه إلى مصر ، فلم يظهر لهذا الكلام نتيجة ولا مشى سليم شاه على قواعد السلاطين السالفة بمصر ، ولم يكن له نظام يعرف لا هو ولا وزراؤه ولا عسكره ، بل كانوا همجا لا يعرف الغلام من الأستاذ" (12)
لذلك يبكي ابن اياس ما فعله سليم بخيمة المولد النبوي الشريف التي صنعها الأشرف قايتباي وكلفها ثلاثين ألف دينار "وكانت هذه الخيمة من جملة عجائب الدنيا " (13) ينصبها خمسمائة إنسان "وكانت من جملة شعائر المملكة " باعها سليم للمغاربة " بأربعمائة دينار " فقطعوها قطعا وباعوها للناس ستائر وسفر
عبر سليم إلى الجيزة يوم 6ربيع أول 923هـ ولقي طومان باي وجيشه وكاد طومان ينتصر لولا البنادق العثمانية التي أطلقت رصاصها على الجيش المصري ، فانكسر قنصوه للمرة الخامسة " فلما
ــــــــــ
(12) ابن إياس ، السابق ، ص 162
(13) السابق ، ص 172
انتصر ابن عثمان على عسكر مصر قطع رءوس المماليك الجراكسة وقطع رءوس جماعة كثيرة من العربان الذين كانوا مع السلطان طومان باي " (14) وحملت الرءوس على الخشب وزينت القاهرة وصنع موكب تتقدمه الطبول والزمور وطيف بالرءوس عبر القاهرة على أعواد الخشب وقدر ابن اياس الرءوس بنحو ثمانمائة رأس إنسان
يحكي ابن إياس أن سليم الأول أمن ( أعطى الأمان ) أربعة وخمسين أميرا من المماليك بين مقدمي ألوف وغير ذلك ورسمهم في القلعة حين دخلها ثم أمر بهم يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول 923هـ فنزلوا بهم من القلعة في جنازير إلى بركة الحبش فوبخهم وأمر بقطع رءوسهم يوم السبت سادس ربيع الأول " وصارت أجسادهم مرمية على الأرض تنهشهم الكلاب بالنهار والضباع والذئاب باليل " (15)
ويحكي كيف كانت بعض الزوجات ترشي الحراس لتتمكن من سحب جثة زوجها للمدينة كي تغسله وتكفنه وتؤدي حقوق الميت . ويخلص ابن إياس للقول :
" كانت هذه الكاينة من أعظم الكواين في حق الأمراء وقد ظهروا بالأمان من ابن عثمان ثم غدرهم وقتلهم ، فكان لا يثق أحد له بأمان وليس له قول ولا فعل " (15)
يحكي ابن إياس ما صنعه وزير سليم الأول المدعو جان بردي الغزالي بأهل بلدان في الشرقية حينما هجم عليهم :" فنهب ما فيها من الأبقار
ــــــــــ
(14) السابق ، ص 171
(15) السابق ، ص 169
(16) السابق ، ص170
والأغنام والأوز والدجاج وأسر نساء الفلاحين وأولادهم الصبيان والبنات وصار بيعهم في القاهرة بأبخس الأثمان ، كما فعل أقبردي الدوادار بالعرب الأحامدة وأولادهم ، فاشترى بعض الناس منهم بنتا بأربغة أشرفية وأعتقها وأوهبها إلى أمها وقد رق لها من الأسف على ابنتها ، وفعل في الشرقية ما لا فعله البخت نصر لما دخل مصر"(17)
"إن العثمانية نصبوا خيمة في وسط الرملة وجعلوا فيها أدنان بوزة، وخيمة أخرى فيها جفن حشيش ، وخيمة أخرى فيها صبيان مرد يحارفون كعادتهم في بلادهم " (18)
ــــــــــ
(17) السابق، ص 168
(18) السابق ، ص163








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

#النبي_يوسف_هل_جسده_داخل_المتحف_المصري؟! الجولة ٢٠ في المتحف المصري